كل ما تحتاجون معرفته حول جراحات السمنة
يعتبر المتخصصون السمنة مرضًا، بل وقد أعلنت عنها نقابة الأطباء كونها مرضا عام 2018. وقد صرنا نعلم اليوم أن السمنة ليست مجرد زيادة في الوزن، بل يتم تعريفها على أنها مرض التهابي، بكل ما يحمله ذلك من معنى.
يعاني ما يقرب من ربع سكان البلاد من السمنة، ويموت أكثر من 4000 شخص بسبب مضاعفاتها كل عام. ترتبط المضاعفات المعروفة للسمنة بمشاكل في القلب وإمدادات الدم ونشاط الدماغ. بالإضافة إلى ذلك، قد يعاني الأشخاص ذوو الوزن الزائد من مجموعة متنوعة من الأمراض الأيضية ، بما في ذلك مرض السكري، ومشاكل الخصوبة، والسرطان، والكبد الدهني، وغيرها، بالإضافة إلى الأعراض التي تنتج بشكل مباشر عن السمنة نفسها (على سبيل المثال، انقطاع التنفس أثناء النوم). وتُظهر دراسات مختلفة أيضًا التأثير النفسي الهائل للسمنة: فالأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن معرضون بشكل متزايد لخطر الإصابة بالاكتئاب والقلق، الناتج عن المرض نفسه، والوصمة المرتبطة به.
تنبع إحدى أكبر مشاكل في تنظيم وزن الجسم من أن وزننا يتأثر بعدد لا يحصى من العوامل، وقوة إرادة المريض للحفاظ على وزن صحي ليست سوى جزء من كل. إذ أظهرت دراسات مختلفة أن المريض الذي يعاني من زيادة الوزن والذي تمكن من إنقاص وزنه عن طريق نظام غذائي ناجح، فإنه على الأغلب يعود إلى وزنه السابق. أحد أسباب ذلك هو أن الجسم في الواقع "يتذكر" وزنه "الطبيعي"، وأي انحراف عنه يشجع الجسم على محاولة العودة إليه (بزيادة الرغبة في تناول الطعام، وباستخدام آليات أخرى). . أحد أكبر الأخطاء في مكافحة السمنة هو التعامل مع الأشخاص الذين يفشلون في إنقاص الوزن على أنهم "كسالى". إن العكس هو الصحيح في الواقع. فمن من الممكن أن تكون السمنة رد فعل فسيولوجي للجسم لا نفهمه تمامًا، ومحاولة محاربتها فقط من خلال قوة الإرادة هي أمر محكوم بالفشل التام.
لمساعدة هؤلاء المرضى الذين حاولوا إنقاص الوزن ولم يتمكنوا من تجاوز الآليات التنظيمية الطبيعية، يمكن تقديم خيارات علاجية مختلفة، وأهمها العلاج الدوائي وجراحة السمنة.
جراحة السمنة هي إجراء طبي موجود منذ أكثر من خمسين عامًا، والغرض منه هو علاج السمنة المرضية. يتم إجراء العمليات الجراحية عادةً بعد فترة حاول فيها المرضى إنقاص الوزن بطرق أخرى (تغيير أنماط الحياة، والأنظمة الغذائية المختلفة، والعلاج الدوائي) دون نجاح. هناك أنواع مختلفة من جراحات السمنة، ويجب أن يتوافق كل مريض مع الجراحة الأكثر ملائمة له. تعتبر جراحات السمنة من العمليات الجراحية التدخلية، ولكن في الوقت الحاضر يتم إجراء معظمها بواسطة المنظار، أي دون فتح البطن، مما يسمح بالتعافي بشكل أسرع وتقليل المضاعفات والألم.
يتمثل الهدف الرئيسي لجميع جراحات السمنة في إحداث تغيير في الجهاز الهضمي يؤدي إلى تقليل كمية الطعام التي تصل في النهاية إلى جسم المريض بشكل منتظم، مما يؤدي إلى فقدان الوزن. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، تعمل العمليات الجراحية على تقليل الحجم الذي يمكن أن تستوعبه المعدة، أو منع امتصاص الطعام من الأمعاء، أو كليهما معًا. يؤدي تقليل حجم المعدة إلى الشعور بالشبع في مرحلة مبكرة ويمنع الإفراط في تناول الطعام، في حين أن منع امتصاص المنتجات الغذائية يسمح للجسم بطرد الطعام الزائد، وعدم هضمه على الإطلاق.
الهدف الآخر لجراحات السمنة، والذي تم اكتشافه فقط بعد سنوات من إجراء هذه العمليات، هو تعديل التمثيل الغذائي (الأيض). فكما ذكرنا سابقًا، يتأثر تحديد وزننا بمجموعة من العمليات الحاصلة داخل الخلايا وخارجها. وقد اتضح أن جراحات السمنة تساعد في "إعادة تعليم" الجهاز، وفي تعويد الجسم على حالة انخفاض الوزن، مما يساعد في الحفاظ على الوزن لفترة طويلة بعد الجراحة.
أظهرت الدراسات الكبيرة (الميتا - تحليلات) التي أجريت في العقود الأخيرة أن جراحات السمنة تنجح في فقدان الوزن لدى نسبة عالية من الذين أجريت لهم العمليات الجراحية. كما تؤدي العمليات الجراحية، على المدى الطويل، في كثير من الحالات، إلى تحسن في قياسات السكر، وانخفاض في ضغط الدم، وتحسين نوعية نوم المرضى.
يجب أن نتذكر أن جراحة السمنة هي رغم كل شيء عملية جراحية تنطوي على مخاطر معينة، مثل أي عملية جراحية أخرى. ولذلك، تضع المنظمات الصحية معايير واضحة للموافقة على جراحة السمنة. المعيار الرئيسي للموافقة على جراحة السمنة هو وزن الجسم. نظرًا لفهم الوزن الصحي، يجب أيضًا أخذ طول المريض في الاعتبار، يتم استخدام صيغة بسيطة تقيس كتلة جسم المريض، وتسمى مؤشر كتلة الجسم أو BMI (يمكنك العثور على العديد من الآلات الحاسبة على الإنترنت التي تحسب الـ BMI ببساطة وسرعة).
يعتبر المرضى الذين لديهم نتيجة مؤشر BMI أعلى من 40، مرشحين محتملين لجراحة السمنة. بالإضافة إلى ذلك، فإن المرشحين لإجراء جراحة السمنة هم أيضًا المرضى الذين لديهم نتيجة مؤشر BMI أعلى من 35، ويعانون في الوقت نفسه من عوامل الخطر الأخرى المرتبطة بالسمنة (مثل مرض السكري من النوع الثاني، وارتفاع ضغط الدم، وغيرها). تجدر الإشارة إلى أن هذه الإرشادات يتم تحديثها من وقت لآخر، وأنه توجد اليوم بالفعل منظمات توسع التوصية بإجراء عملية جراحية ابتداء من مؤشر BMI البالغ 30 المرتبط بعوامل خطر معينة. وفي بعض الأحيان، يتم النظر في تكرار جراحة السمنة لأولئك الذين انخفض مؤشر كتلة الجسم لديهم قليلاً، ولكن لا يزال أكثر من 30.
بالنسبة للمراهقين والأطفال، فإن المعايير مختلفة وأكثر صرامة، ويرجع ذلك أساسًا إلى أن الآثار النفسية للجراحة أكثر أهمية بالنسبة لهم. بالإضافة إلى ذلك، تظهر التجربة أن قدرتهم على الالتزام بتغييرات نمط الحياة المطلوبة بعد الجراحة تكون قليلة نسبيًا. على الرغم من ذلك، يمكن للمراهقين الذين تجاوزوا سن 13 عامًا والذين يزيد مؤشر BMI لديهم عن الخمسين الخضوع للجراحة، وفي الحالات التي توجد فيها أمراض مصاحبة، يتم النظر في مسألة إخضاعهم للجراحة، حتى لو كانت مقاييس الـ BMI لديهم أقل. في مثل هذه الحالات، تكون هناك حاجة أيضًا إلى رأي طبيب نفسي يثبت أن المريض يمكنه الالتزام بالخطة الجراحية، كما سيتطلب الأمر إثبات موافقة الوالدين وتوفر بيئة اجتماعية داعمة. بالإضافة إلى ذلك، يتعين على الأطفال والشباب الذين تقل أعمارهم عن 18 عامًا الحصول على موافقة لجنة استثناءات مكونة من مختلف المهنيين الذين سيقومون بتقييم الفوائد مقابل المخاطر.
يجب على الأشخاص الذين يستوفون شروط الجراحة ويرغبون في الخضوع للعملية استشارة طبيب الأسرة أولاً والحصول على طلب لإجراء فحوصات ذات العلاقة، بما يشمل فحوصات الدم، وتخطيط القلب، وفحوصات تصوير الجهاز الهضم، وغيرها. يجب تحديد موعد مع اختصاصي تغذية متخصص في التحضير لجراحات السمنة، والحاجة إلى البدء في تغيير أنماط الحياة والعادات الغذائية، والتحول إلى نظام غذائي منخفض الكربوهيدرات.
لاحقا، وإذا تبين أن المتعالج مناسب للخضوع للعملية، يتم إحالته إلى لجنة معالجة أمراض السمنة في المستشفى الذي سيتم إجراء الجراحة فيه، حيث يتم أخذ البيانات الإضافية بعين الاعتبار واتخاذ القرار بشأن الخطة الجراحية. يتم، قبل العملية الجراحية نفسها، تقديم تعليمات بشأن الصيام الذي يسبق التخدير، وتعليمات إضافية قبل العملية.
كما ذكرنا، هناك أنواع مختلفة من جراحات السمنة. ومن المهم التأكيد على أن القرار بشأن نوع الجراحة يتم اتخاذه بناءً على البيانات الشخصية للمريض، حيث يكون الطبيب المعالج هو صاحب القرار في تحديد العلاج الأفضل، مع التشاور ومراعاة رغبات المريض.
بشكل عام، يمكن القول أنه يمكن لجراحة السمنة أن تحدث فرقًا كبيرًا لدى الأشخاص الذين يعانون من السمنة. لا تنتهي قضية مواجهة مع الوزن الزائد بعد العملية، حيث إنه الضروري الاستمرار في العمل على التغذية السليمة والنشاط البدني وغيرها، من أجل الحفاظ على الوزن. ومع ذلك، تظهر بيانات البحث فعالية نسب كبيرة في فقدان الوزن ومؤشر BMI بعد جراحة السمنة. وقد أظهرت بعض الدراسات انخفاضًا بنسبة تزيد عن 70 بالمائة في الوزن الزائد. ولذلك، وبالنظر إلى البيانات المناسبة وتوصية طبيب الأسرة، ينبغي للمرء أن يفكر في قبول هذه الجراحة التي ستغير الحياة.
جراحات السمنة مشمولة في سلة الصحة في البلاد ويمكن للمستحقين الحصول عليها كجزء من العلاج الذي يقدمه الصندوق للمؤمنين لديه.
بعد جراحة السمنة، يجب اعتماد أنماط حياة مناسبة للتغير الجسدي الناتج عن الجراحة. ويركز على التغيير على كمية الطعام التي يتناولها المريض، ولكنه يتضمن أيضًا توصية بممارسة نشاط بدني مناسب. بشكل عام، يتم توجيه الأشخاص الذين خضعوا للجراحة في الأشهر الأولى بعد العملية إلى استهلاك الأطعمة ذات القوام الناعم والكثير من الألياف. وفي وقت لاحق، يتم التركيز على استهلاك الأطعمة الصحية والملائمة في نفس الوقت الذي يتم فيه منع نقص التغذية عن طريق الإثراء الغذائي وتناول المكملات الغذائية.
هناك أهمية قصوى للمتابعة المنتظمة وطويلة الأمد مع اختصاصي تغذية متخصص في جراحة السمنة، على الأقل في السنة الأولى بعد الجراحة (وأيضًا بعد ذلك، بوتيرة أقل). يعد الحفاظ على نمط حياة صحي ومتوازن مع توفر الدعم المهني المناسب أمرًا ضروريًا لنجاح جراحة السمنة وتحقيق نتائج طويلة المدى في فقدان الوزن.