قد يؤدي التعرض لحدث صادم يتضمن تهديدًا فعليًا أو محتملًا لحياة الشخص إلى اضطراب ما بعد الصدمة، والذي يتميز، من ضمن ما يتميز به بالأفكار المزعجة، ومصاعب النوم، والعصبية، وغيرها. كيف تبدو الحياة مع اضطراب ما بعد الصدمة، وكيف يتم تشخيصه، وكيف تتعامل معه؟
اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD: Post-Traumatic Stress Disorder)، المعروف أيضًا باسم "صدمة المعركة"، هو اضطراب نفسي يظهر بعد التعرض لحدث صادم أو مشاهدته.
وقد يكون لهذا الاضطراب تأثير عميق على مستويات مختلفة في حياة الشخص الذي يعاني منه، إلى درجة الصعوبة في أداء المهمات اليومية. ولذلك فإن التعرف والتشخيص المبكر للاضطراب وتلقي العلاج المناسب يمكن أن يحل بشكل كبير الصعوبات التي يواجهها الشخص الذي يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة.
في هذه المقالة سوف نتعمق أكثر في موضوع اضطراب ما بعد الصدمة، بما في ذلك الأنواع والأعراض وخيارات العلاج المختلفة. بالإضافة إلى ذلك، سنتطرق إلى موضوع اضطراب ما بعد الصدمة المعقد، والذي غالبًا ما يتطلب نهجًا علاجيًا مختلفًا قليلاً عن اضطراب ما بعد الصدمة "العادي".
اضطراب ما بعد الصدمة هو اضطراب نفسي قد يحدث بعد حدث يهدد الحياة. يمكن أن يكون الحدث الذي يهدد الحياة حادث سيارة، أو حرب، أو اغتصاب، أو عنف منزلي، أو كارثة طبيعية، وما إلى ذلك، ولكنه قد يكون أيضًا بسبب حدث طبي درامي (مثل جلطة قلبية)، أو ولادة معقدة.
يمكن أن تكون مثل هذه الأحداث تجارب شخصية يمر بها الشخص نفسه، أو تحصل حينما يشاهد الشخص الحدث يحدث أمام عينيه دون أن يكون مشاركًا فيه. مثل الأشخاص الذين تتضمن مهنتهم التعرض لأحداث صعبة، مثل عناصر الأمن والإنقاذ.
من يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة يعانون من اضطرابات مختلفة استجابةً للعوامل التي تعتبر بالنسبة لهم تذكيرًا بالحدث الصادم. تختلف شدة الأعراض من شخص لآخر، وقد تتفاقم إذا لم يتم علاج الاضطراب.
قد يشعر الشخص الذي يتعامل مع هذا الاضطراب بما يلي:
قد يكون لهذه الأعراض تأثير عميق على العلاقات في حياة الشخص وسلوكه في العمل وأداء وظائفه اليومية.
تختلف شدة أعراض ما بعد الصدمة بمرور الوقت، حيث قد تؤدي عوامل معينة مثل فترات التوتر إلى تفاقم الأعراض، وكذلك التعرض لمحفزات مثل الضوضاء والروائح ومشاهد معينة وغير ذلك.
إن تلقي العلاج المناسب للاضطراب قد يقلل بشكل كبير من الأعراض التي يعاني منها الشخص، وهو ما سيؤدي بالتالي تحسين الأداء اليومي.
غالبًا ما تبدأ أعراض اضطراب ما بعد الصدمة خلال الشهر الأول بعد الحدث. في البداية، تبدأ، خلال فترة لا تتجاوز شهر من وقوع الحادث، الأعراض التي تسمى أعراض "اضطراب الإجهاد الحاد" وقد تمر دون أن يستمر الاضطراب ويتطور إلى اضطراب ما بعد الصدمة. قد يساعد الحصول على العلاج المبكر بعد وقوع الحدث في منع تطور اضطراب ما بعد الصدمة.
إذا استمرت الأعراض لأكثر من شهر، فيمكن للمتخصصين تشخيص المصاب باضطراب ما بعد الصدمة.
بالإضافة إلى ذلك، هناك حالات لا يتطور فيها الاضطراب قرب موعد وقوع الحدث. في بعض الأحيان تظهر الأعراض بعد بضعة أشهر فقط من وقوع الحدث الصادم، بل وبعد بضعة سنوات في بعض الأحيان. قد تظهر مثل هذه الحالة عند كبار السن الذين تعرضوا لحدث صادم في شبابهم، لكن أعراض الاضطراب تبدأ بالظهور فقط في سن الشيخوخة.
يتعرض الكثير من الأشخاص خلال حياتهم لأحداث صعبة، والتي غالبًا ما تترك بصماتها بشكل معين في نفس الشخص.
ومع ذلك، من المهم ملاحظة أنه ليس كل من يعاني من الصدمة يصاب باضطراب ما بعد الصدمة، وهو اضطراب، كما ذكرنا، يتجلى في أعراض معقدة تؤثر بعمق على الحياة اليومية وأداء الشخص الذي يتعامل معه.
حتى يومنا هذا، لا يزال السبب المحدد الذي يؤدي إلى تطور اضطراب ما بعد الصدمة غير معروف. ومع ذلك، فإن الإدراك السائد اليوم هو أن مجموعة من عوامل الخطر المحددة، مثل الوراثة، والتغيرات في التوازنات الكيميائية الدقيقة للدماغ، وآليات التكيف الشخصية لكل شخص، تلعب دورًا مشتركًا في تطور الاضطراب.
بالإضافة إلى ذلك، فقد وجد أن الأشخاص الذين تعرضوا لعدة أحداث صادمة في حياتهم (والتي لا ترتبط بالضرورة ببعضها البعض) والأشخاص الذين تعرضوا للإيذاء خلال طفولتهم، هم أكثر عرضة لخطر الإصابة بهذا الاضطراب. وهذا لا يعني أن كل من مر بهذه التجارب الصعبة سيصاب باضطراب ما بعد الصدمة في المستقبل، لكنه قد يكون أكثر عرضة له. ومن ناحية أخرى، هناك العديد من الأشخاص الذين يتعاملون مع هذا الاضطراب من دون أن تكون لديهم خلفية مماثلة.
كما أن هناك باحثين يزعمون أنه قد تكون هناك علاقة بين توازن هرمونات التوتر في الجسم، مثل الكورتيزول، وتطور اضطراب ما بعد الصدمة. ومع ذلك، فإن الآلية الدقيقة بين الاثنين لا تزال غير واضحة.
يتم إجراء تشخيص ما بعد الصدمة من قبل طبيب أو أخصائي نفسي، وهؤلاء هم أطباء متخصصون في الصحة النفسية.
هناك عدة معايير مطلوبة لتشخيص الاضطراب، تعتمد على الأعراض التي ذكرناها أعلاه، إلى جانب ربط هذه الأعراض بالحدث الصادم. بالإضافة إلى ذلك، ولغرض التشخيص، يقوم الطبيب النفسي بالتحقق من درجة التشويش على حياة الشخص، والتأكد من أن الأعراض التي يعاني منها الشخص ليست ناجمة عن اضطراب آخر.
إذا كنتم تخشون أنكم تعانون من اضطراب ما بعد الصدمة، أو أن شخصًا مقربًا منكم يعاني منه ، فمن المهم طلب المساعدة المهنية في أقرب وقت ممكن. هناك علاجات مختلفة يمكن أن تساعد بشكل كبير في التعامل مع الاضطراب، حيث إن عدم معالجة هذا الاضطراب يمكن أن يؤدي إلى ضرر كبير في حياة الشخص.
يمكن علاج اضطراب ما بعد الصدمة بعدة طرق، حيث تتضمن التوصيات في كثير من الأحيان مجموعة من طرق العلاج المتعددة من أجل تحسين الاستفادة من كل علاج.
سيتمكن الاختصاصي الذي يعالجكم (الطبيب/ة النفسي/ة، الأخصائي/ة النفسي/ة) من تقديم النصائح المتعلقة بالنهج العلاجي المناسب لكم.
يمكن تقسيم خيارات العلاج إلى فئتين رئيسيتين:
على الرغم من أنه لا يمكن منع جميع حالات اضطراب ما بعد الصدمة، إلا أن هناك عددًا من الخطوات التي قد تقلل من المخاطر. فإذا مر شخص ما بحدث صعب ومتطرف في حياته، فمن المهم أن نعطيه مرجعًا مناسبًا يساعده على معالجة التجربة، بل وربما يكون قادرًا على منع تطور اضطراب ما بعد الصدمة في المستقبل.
أولاً، في الدقائق والساعات الأولى بعد الحدث، عندما ينتهي الخطر، من المهم التأكيد للشخص الذي نجا منه أن الخطر قد انتهى، وهو الآن في مكان آمن.
ومن الضروري التأكد من أن الشخصيات المهمة في حياة الشخص (دائرة الدعم) ستبقى قريبة منه في الفترة التي تلي الحدث مباشرة، وستدعمه في كل ما هو مطلوب. كما أظهرت الدراسات أن تشجيع الشخص على مشاركة تفاصيل الحدث مع الأشخاص المقربين منه يمكن أن يساعد في التأقلم.
ومن المهم أيضًا الانتباه إلى الطريقة التي يرى بها الشخص مكانته ضمن التجربة الصعبة التي مر بها. إن احترام الضحية أو الشخص المسؤول عن الحادث يؤدي إلى تفاقم المشاعر الصعبة ويتعارض مع عملية التعافي. وبدلاً من ذلك، يجب تشجيع الشخص على النظر إلى نفسه بوصفه "ناجيا"، وهو ما يسمح له بمعالجة التجربة من زاوية مختلفة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن بدء العلاج بالفعل في مرحلة مبكرة بعد الحدث، مثل العلاج السلوكي المعرفي الذي يركز على الصدمة، قد يساعد أيضًا في الوقاية من اضطراب ما بعد الصدمة وهو مهم جدًا للتعامل مع التجربة المؤلمة.
في الحالات التي يكون فيها التعرض المستمر للأحداث المؤلمة المتكررة، خاصة عندما تحدث هذه الأحداث في مرحلة الطفولة، قد يتطور الاضطراب إلى اضطراب ما بعد الصدمة المعقد (CPTSD).
الأحداث الجارية يمكن أن تكون إساءة وعنف، وحالات اغتصاب متكررة، ومواجهة الاعتداء الجنسي المستمر من أحد أفراد الأسرة. إن القاسم المشترك بين هذه الأحداث هو أن الضحية تحت سيطرة شخص آخر، وغير قادر على الهروب من الموقف.
التفسير المهني الحالي هو أن التعرض لأحداث صعبة بشكل متسلسل في سن مبكرة قد يؤدي إلى تأثير أكثر عمقًا على الشخص مقارنة باضطراب الإجهاد اللاحق للصدمة "العادي".
قد تؤدي الصدمات اللاحقة المعقدة إلى صعوبة التحكم في العواطف، والإضرار بالصورة الذاتية، وتؤدي إلى صعوبات في العلاقات والثقة بالآخرين، وأكثر من ذلك.
قد تكون العلاجات المقدمة لاضطراب ما بعد الصدمة مناسبة أيضًا للتعامل مع حالات ما بعد الصدمة المعقدة، ولكن في كثير من الأحيان يكون هناك مجال لمعالجة الأعراض الإضافية التي يتعامل معها في العلاج. على سبيل المثال، ممارسة اليقظة الذهنية (Mindfulness)، والحفاظ على دوائر دعم اجتماعي قوية، وإيجاد طرق بديلة للتعبير عن الأفكار والمشاعر (على سبيل المثال، كجزء من العلاج بالفن)، والمزيد.
ليس من السهل التعامل مع اضطراب ما بعد الصدمة، ومن المهم علاجه بشكل كامل، مع تلقي العلاج والمساعدة المهنية.
إن التشخيص والعلاج في المرحلة المبكرة من اضطراب ما بعد الصدمة يمكن أن يمنع تفاقم الأعراض ويحل بشكل كبير المشاعر الصعبة التي قد تصاحب الشخص الذي يتعامل مع هذا الاضطراب.
إذا كنت تتعامل مع اضطراب ما بعد الصدمة، تذكر أنك لست وحدك. الأطباء النفسيون وعلماء النفس وفريق الصحة النفسية في لئوميت متواجدون من أجلك.
من أجل راحتكم، يمكنكم حجز مواعيد عبر موقع لئوميت، أو تطبيقها الهاتفي، أو من خلال مركز خدمة الزبائن على الرقم 507*.
إلى جانب الأدوار التي تقام داخل المراكز الطبية، يمكن أيضا حجز مواعيد عبر محادثات فيديو ومحادثات هاتفية، بحسب تفضيلكم.
ميراي دانون، أخصائية نفسية سريرية مرشدة، أخصائية نفسية رئيسية، لئوميت خدمات الصحة