اضطرابات القلق شائعة جدًا. وقد أظهرت الدراسات الوبائية، أنه في عام واحد، كان 17-24٪ ممن تعرضوا للفحص يعانون من اضطراب القلق، لذلك تعد الإصابة بهذا المرض شائعة، وقد يصاب به الناس في مرحلة ما من حياتهم. من ناحية أخرى، يعد القلق أيضًا عاطفة طبيعية مألوفة وشائعة.
الشعور بالقلق هو الشعور الذي ينتابنا أحيانًا عندما نشعر بالخطر، أو عندما نشاهد مقطعا مخيفًا من أحد الأفلام، عندما نشعر بالقلق الشديد بشأن نتيجة لا نريدها أو تخيب آمالنا . إنه الشعور الذي يراودنا قبل الامتحان، أو الإحراج الذي يمكن أن يشعر به الإنسان عند التحدث أمام الناس أو لدى خوف من الفشل. غالبًا ما تُستخدم هذه المشاعر كعلامة تحذير ضد القرارات أو الإجراءات المتضاربة التي لا تتوافق مع القيم المقبولة.
تحفزنا هذه العاطفة الطبيعية على القيام بكل ما هو "ضروري": الاستيقاظ للعمل، والقيام بالأعمال المنزلية، والعناية بالمظهر الخارجي، وما شابه. إن الدرجة المتوازنة من القلق صحية بالتأكيد. أما القلق الزائد أو الناقص (اللامبالاة) فمن الممكن أن يؤديا إلى الشلل الوظيفي. في جميع المواقف المذكورة أعلاه نتوقع أن يكون الشعور مؤقتًا وعابرًا ومحتملًا، ومن الأمثلة الأخرى لحالات القلق المواقف التي يوجد فيها خطر حقيقي أو خطر محسوس على حياتنا، على سبيل المثال حينما نقترب من التورط في حادث، أو ما حصل لسكان غلاف غزة وسديروت أو صفارات الإنذار
اضطرابات القلق، على عكس القلق الطبيعي، هي حالات طبية يكون فيها القلق تعبيرا رئيسيا، ولكن عادة ما تزداد شدته ولا تتوافق مع الموقف . تضعف هذه الاضطرابات من جودة الحياة وتسبب معاناة ذاتية وتؤثر على مستوى الأداء. في اضطراب القلق، يكون هناك شعور بالخوف حتى في المواقف التي لا يوجد فيها خطر حقيقي أو لا يكون الخطر عاليا. تظهر هذه الاضطرابات بشكل عفوي أو بعد أحداث مختلفة، وهي أكثر شيوعاً عند النساء، كما أن وجود خلفية عائلية من القلق يزيد من فرصة الإصابة بها.
تشمل الأعراض الجسدية لاضطراب القلق فرط الإثارة، والألم في الصدر، والخفقان، وجفاف الفم، وكثرة التبول، وعدم الراحة في البطن، وغير ذلك.
وتشمل العلامات النفسية والعقلية ارتفاع القلق والتوجس والخوف وانعدام الأمن وتوقع المصائب وتكثف الأفكار السلبية (تحويل الحبة إلى قبة) واشتداد المخاوف من المرض الجسدي.
تشمل العلامات السلوكية السلوك المتخوف والميل إلى الذعر والتجنبات المختلفة. إنها محاولة لحماية النفس مما يُنظر إليه على أنه مواقف خطيرة. يمكن لمن يعانون من اضطراب القلق تجنب السفر خوفًا من وقوع حادث، أو تجنب الخروج من المنزل خوفًا من العار أو المخاطرة، أو تجنب التواصل الاجتماعي خوفًا من خيبة الأمل في العلاقات، أو تجنب الحديث عن الأمراض خوفًا منها.
يمكن أن تظهر العلامات المذكورة أعلاه في حالات صحية ومرضية مختلفة، ولا نتعامل معها على أنها اضطراب طبي ولا يتم تشخيصها إلا عندما تكون شدتها عالية، وتكون مدة المشكلة أطول من عدة أسابيع، وعندما تسبب العلامات والاضطراب المعاناة وإضعاف مستوى الأداء الأساسي
هناك عدة صور سريرية لاضطراب القلق، سنذكر هنا اثنين منها:
أبرز ما يميزها هو نوبات قصيرة من الرعب الشديد والذعر، والخوف من الجنون أو فقدان السيطرة، والتي يصاحبها ضغط في الصدر، والخفقان، والهبات ساخنة، والدوخة، والغثيان، والشعور بالتقلب في المعدة، وأحياناً التنميل. الشعور بما يشبه التيار الكهربائي في اليدين.
يكون الشعور خلال تلك الدقائق العشر إلى العشرين من النوبة فظيعًا على الرغم من عدم وجود خطر في ظهور الأعراض.
عادةً ما يخشى الأشخاص في هذه الحالة حدوث أزمة قلبية ويذهبون إلى فحص طبي عاجل حيث لا يتم العثور على أي مشكلة في القلب. مع مرور الوقت، يتطور نمط تفكير من الخوف والقلق بشأن المزيد من الهجمات وتغيير السلوك المتجنب: الخوف من مغادرة المنزل إلى الأماكن المفتوحة أو العامة (رهاب الخلاء) والانسحاب. وفي حالات أخرى، هناك نمط من كثرة طلبات الفحص بسبب الخوف من المرض (في هذه المواقف من الأفضل الإشارة إلى أنه تعبير جسدي عن التوتر أو القلق بدلاً من القول "ليس لديك شيء")، مع مرور الوقت يحتمل أن يصاب الإنسان باكتئاب ثانوي. وعادة ما تستمر هذه المسألة لعدة أشهر وتتضاءل أو تختفي. وفي المستقبل قد تكون هناك انتكاسات متكررة، وعادة ما تكون أقل قوة. العلاج سوف يقلل من مدة وشدة المشكلة.
يتمثل المظهر الرئيسي لهذا الاضطراب في القلق. والدرجة العالية من القلق والتوجس المفرط والمستمر. وبالإضافة إلى القلق، هناك أيضاً شعور بارتفاع الضغط الجسدي والعقلي، والأعراض الجسدية للتعب، وآلام الظهر والكتفين، وارتفاع التوتر العضلي، ومشاكل الجهاز الهضمي، وصعوبة النوم وصعوبة الراحة والاسترخاء بسبب شعور الإنسان بالتأهب والاستعداد طوال الوقت.
عادة يهتم هؤلاء الأشخاص كثيرًا بأفراد أسرهم، ويطالبون بمعرفة، على سبيل المثال، ما يحدث مع كل فرد من أفراد الأسرة خلال كل ساعة من اليوم. في بعض الأحيان تساهم الأسرة في الاضطراب من خلال كونها متاحة تمامًا للإحاطة بالمعلومات والإبلاغ بأن "كل شيء على ما يرام".
عادة لا يعتقد الشخص أن هذه مشكلة ويرى نفسه يتفاعل بطريقة حقيقية مع مخاطر البيئة. في الواقع، يصبح الاضطراب سمة شخصية ولا يراها الفرد على أنها اضطراب "إنها ببساطة تشعر بالقلق دائمًا، وتجد دائمًا أسبابًا لتقلق علينا جميعًا". ونتيجة لذلك، فإن العديد من المصابين بهذا الاضطراب لا يطلبون العلاج أو يبحثون عن العلاج بسبب التعب والضعف. سبب آخر لعدم طلب العلاج هو الطيف الواسع الممتد بين القلق الطبيعي والمفرط. ومع مرور السنين، يتعلم أفراد الأسرة الآخرون، وخاصة الأطفال الذين يتعرضون للتفكير المتشائم الكارثي، التفكير والتصرف بطريقة مماثلة. على سبيل المثال، تقليل الأنشطة بسبب "المخاطر" المحتملة. عندما تفكر العائلة بأكملها بهذه الطريقة، تقل فرص رؤيتهم للمشكلة على أنها مشكلة تحتاج إلى علاج.
وعلى الرغم من هذا فإن الكثير من هؤلاء يعانون. وتنخفض جودة حياتهم، وكثيرا ما يذهبون إلى الأطباء بسبب الأعراض الجسدية ويحملون شعورًا بالعبء المستمر.
يتوفر علاج للتعبيرين المذكورين عن القلق! ينقسم العلاج إلى قسمين: علاج المحادثة النفسية( العلاج التخاطبي) والعلاج الدوائي.
الهدف في علاج الحديث النفسي هو تعلم العيش وفقًا للحياة وليس وفقًا للخوف من الخطر، وبالطبع إيقاف المشكلة.
يقوم هذا العلاج على افتراض أن فهم المشكلة ومعرفة أصولها– سواء كانت تاريخية أو نفسية أو فكرية أو سلوكية – سيؤدي إلى التحسن. ييتناول العلاج النفسي اكتساب المعرفة حول المشكلة وتعلم طرق تخفيف التوتر وتخفيف التعبيرات الجسدية للقلق.
يشمل العلاج الدوائي الأدوية المضادة للقلق والاكتئاب مثل بروزاك، ريسيتال، فيفاكس والتي يتم تناولها بانتظام لمدة أشهر إلى سنوات. تسمى هذه المجموعة مضادات الاكتئاب وتحتوي عادة على مستحضرات تمنع السيروتونين بشكل انتقائي ويظهر تأثيرها المفيد لدى معظم المرضى بعد شهر من العلاج المستمر والبعض الآخر سيحتاج إلى خبرة علاجية مع مستحضر آخر من ذات العائلة الدوائية ويجب الاستمرار على هذا العلاج حتى بعد التحسن لمدة ستة أشهر إلى سنتين، وأحيانا فترات أطول.
هناك مجموعة أخرى من الأدوية هي المهدئات المضادة للقلق (البنزوديازيبينات). من بينها هناك الفاليوم، وكلونكس، ولوريفين. تؤثر هذه الأدوية على أي نوع من القلق خلال ساعة أو ساعتين - سواء كان طبيعيًا أو مرضيًا، كجزء من اضطراب القلق. ومن الأفضل استخدامها لفترات تتراوح بين 2-6 أسابيع فقط أو لمواقف محددة يزداد فيها القلق.
في حين يتم، في معظم اضطرابات القلق تفضيل المجموعة الأولى من الأدوية (مجموعة مضادات الاكتئاب) - إلا أنه في اضطراب القلق العام، يكون العلاج الدوائي المختار هو في الواقع المجموعة الثانية من الأدوية لفترة طويلة، بالتوازي مع العلاج النفسي وتقنيات الاسترخاء. يكون نجاح العلاج أكبر عندما يتم الجمع بين العلاج النفسي والأدوية.
*من المهم أن تعرف أنه بالنسبة لبعض الأشخاص سيكون من الضروري تلقي علاج منتظم بأدوية القلق، والتي بمساعدتها يمكنك العيش والعمل بشكل جيد دون مشكلة. وهذا مشابه للعلاج المنتظم لضغط الدم أو ارتفاع نسبة الكوليسترول. إن النهج النقدي أو إلقاء اللوم تجاه المريض لاستخدامه أدوية طويلة الأمد ليس في محله. يجب أن يُنظر إلى هذا على أنه علاج طبيعي لمشكلة طبية لا تتطلب أي علاج آخر ووصم. وهذا لا يستبعد إجراء مناقشة دورية مع الطبيب المعالج بشأن فائدة أو خسارة العلاج الإضافي.
قمنا هنا بوصف اثنين من اضطرابات القلق الشائعة التي يمكن أن تسبب المعاناة، والتقليل من جودة الحياة والأداء الوظيفي. وعلى الرغم من ذلك، فإن الكثير من الناس لا يطلبون العلاج. يعتقد البعض أنه لا يوجد علاج لحالتهم، والبعض الآخر يخشى الذهاب إلى طبيب أو أخصائي نفسي، أو يخجلون من التحدث عن المشكلة أمام طبيب الأسرة، أو لا يشعرون على الإطلاق أنها مشكلة بل يعتبرونها تفكيرا منطقيا ومدركا للمخاطر التي تحيط بنا. إن مهمتنا كأفراد من العائلة والأصدقاء والطاقم الطبي هي أن نفكر معهم فيما إذا كان هذا قلقًا مفرطًا ونقترح التحقق بمساعدة متخصص ما إذا كان اضطرابًا وما إذا كان هناك مجال لعلاجه.