الحساسية هي رد فعل مبالغ فيه لجهاز المناعة. في الحالة الطبيعية، يتعرف الجهاز المناعي على العوامل الغريبة التي قد تتداخل مع الأداء الطبيعي للجسم، مثل البكتيريا أو الفيروسات أو الملوثات الأخرى، ويعمل على القضاء عليها
حالة الحساسية، هي حالة يتعرف فيها الجهاز المناعي بشكل خاطئ على مواد أخرى ويحاربها. تسمى هذه المواد "مسببات الحساسية"، ويمكن أن تكون شائعة في البيئة المحيطة بنا - مواد مثل الغبار، والعفن، واللقاح، وأنواع مختلفة من الطعام، والأدوية، ومساحيق الغسيل، وحتى الكائنات الدقيقة مثل عث المنزل -حيوان مجهري يوجد في كل مكان تقريبًا!
عندما يتعرف الجهاز المناعي عن طريق الخطأ على المادة المسببة للحساسية كعامل ضار، فإنه يعمل على إزالته من الجسم. ومع ذلك، نحن ندفع ثمن هذا الخطأ من خلال ظهور أعراض متنوعة. من بين الأعراض، قد تظهر الحساسية بشكل إحتقان في الأنف، عطاس متعدد، وسعال مزمن، وحكة في الحلق، واضطرابات التنفس وغيرها. في بعض الحالات، يمكن أن تؤدي الحساسية أيضًا إلى الربو التحسسي، والتهاب الجلد التأتبي(الأكزيما الأتوبية)، وفي حالات شديدة جدًا، قد تؤدي الحساسية أيضًا إلى ردة فعل مناعية متسارعة يمكن أن تشكل خطرًا على الحياة. بسبب انتشارها المتزايد، تُعتبر الحساسية وباءً جديدًا في العالم الغربي، حيث يعاني حوالي عشرين في المائة من السكان من حساسية معينة.
النوم العميق والجيد مهم لمختلف جوانب الصحة الجسدية والنفسية. يؤثر النوم بشكل مباشر على التطور الجسدي وتنمية القدرات التعليمية وغيرها لدى الأطفال والمراهقين. النوم غير المنتظم يؤدي إلى تضرر الجهاز المناعي، بسبب عدم إفراز الميلاتونين وهرمون النمو، اللذين يشجعان عمليات الشفاء. تظهر العديد من الدراسات أن الحساسية يمكن أن تؤثر على جودة النوم، وفي كثير من الحالات تكون السبب الرئيسي في اضطرابات النوم.
تضرر النوم ينجم عن مجموعة متنوعة من الحساسيات. على سبيل المثال، الحساسيات التي تسبب سيلان الأنف تزيد من احتمالية حدوث انقطاع التنفس أثناء النوم. في هذه الحالة، يتم انسداد المسالك التنفسية جزئيًا أو كليًا لعدة ثوانٍ، مما يؤدي إلى الاستيقاظ والاضطراب في النوم. أظهرت العديد من الدراسات التي أُجريت على الأطفال، وجود علاقة مؤكدة بين التهاب الأنف التحسسي والنعاس أثناء النهار، وكلما تفاقمت أعراض سيلان الانف زاد تأثيرها على النوم. بشكل عام، إصابة أو انسداد الجهاز التنفسي العلوي أو السفلي، والذي ينشأ من الحساسية، من المرجح أن يؤدي ذلك إلى ضعف جودة النوم.
يؤثر الربو على نسبة كبيرة من السكان (أكثر من 8% من السكان في الولايات المتحدة يعانون من الربو!). الأعراض: مثل النوبات الشديدة أو السعال ليلاً، وفي بعض الحالات يظهر السعال فقط ليلاً، ويؤدي في العديد من الحالات إلى الأرق. الهيستامين هو أحد المواد المحفزة للالتهاب التي تزداد إفرازًا أثناء نوبات الربو، ويدخل في دورات الاستيقاظ، مما يؤدي إلى اضطراب النوم. أظهرت الدراسات المختلفة أن اضطرابات النوم والاستيقاظ المتكرر بسبب نوبات الربو، يؤدي بشكل مباشر إلى انخفاض أداء الأطفال في المدرسة.
تسبب أمراض الحساسية مثل الإكزيما الجلدية، عدم الراحة أثناء النوم والذي يظهر عن طريق حكة في الجلد، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى صعوبة النوم والاستيقاظ المتكرر أثناء الليل. هنا أيضًا، كلما كانت الحالة الصحية أكثر خطورة، زادت اضطرابات النوم.
أعراض الحساسية الأخرى التي يمكن أن تسبب اضطرابات في النوم هي الشعور بخشونة في الحلق وجفاف العين والسعال.
جزء مهم من القدرة على معالجة مشاكل النوم الناجمة عن الحساسية يتعلق بالتشخيص وتحديد العلاقة بين الحساسية ومشاكل النوم. عندما يعرف المريض أن تعبه مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالمرض، من الممكن أن يبدأ في وضع الطرق للتعامل معه.
أولا وقبل كل شيء، من المهم الحرص على السيطرة على مرض الحساسية. إذا نجحنا في تقليل أعراض الحساسية، يمكننا أيضًا تحسين جودة نوم المصاب بالمرض على الفور. لتحقيق هذا الهدف، يجب علينا، أولًا وقبل كل شيء، أبعاد العوامل المسببة للحساسية ("المحسسات") عن البيئة المحيطة. يجب عليك تجنب التدخين تمامًا، والابتعاد عن الأشخاص الذين يدخنون. بالإضافة إلى ذلك، يجب الحرص على تقليل التعرض للهواء الملوث، ومحاولة البقاء في المناطق التي تكثر فيها عوامل الحساسية. على سبيل المثال، خلال المواسم الانتقالية، نفضل تجنب مغادرة المنزل خلال الساعات التي يكون فيها تركيز كبير من الغبار في الهواء (خاصة في الصباح).
ومن أجل ضمان بيئة مناسبة، لا بد من الاهتمام بتهوية المنزل ونظافته، وبالتالي تجنب تواجد الغبار وعث الغبار في المنزل. وينصح المصابون بالحساسية بفصل الملابس التي يرتدونها في الخارج عن الملابس التي يرتدونها في المنزل، وذلك لتقليل التعرض لمسببات الحساسية. ويوصى أيضًا بتنظيف فلتر مكيف الهواء بشكل متكرر في المنزل.
كما ذكرنا، أحد المركبات الرئيسية التي يفرزها الجسم في معظم أمراض الحساسية هي الهستامين. العلاج الدوائي الشائع لمشاكل الحساسية هو تناول مضادات الهيستامين، وهي مركبات تكبح استجابة الجسم للهيستامين، وبالتالي تقليل أعراض الحساسية. تعمل مضادات الهيستامين على تقليل سيلان الأنف، ويخفف من الأعراض المرتبطة بالجهاز التنفسي، ويحسن من حالة الجلد للمصابين بأمراض الحساسية.
لمضادات للهيستامين تأثير على أعراض الحساسية، ولكن لها أيضًا تأثير مباشر على النوم. في الماضي، كان يُعطى مضادات الهيستامين القوية، التي كانت تسبب النعاس، ولذلك كان من المستحسن عدم القيادة بعد تناولها أو تناول الكحول معها. من المهم أن نفهم أن النعاس الناجم عن مضادات الهيستامين ليس بالضرورة مفيدًا لجودة نوم المرضى، وأحيانا يزيد من اضطراب النوم لديهم. في الوقت الحاضر، هناك مضادات للهيستامين في السوق مع تأثير أقل على النوم. إستهلاكها يجعل من الممكن السيطرة على شدة المرض، الأمر الذي يؤدي بشكل غير مباشر إلى تحسين جودة النوم. ومع ذلك، ولكن هناك حالات نفضل فيها العلاج بمواد تساعد على النوم حسب تعليمات الطبيب. هناك نوع آخر من الأدوية التي يستخدمها مرضى الحساسية هي الستيرويدات (بعضها يؤخذ في شكل أقراص عن طريق الفم، وبعضها يتم استنشاقه عن طريق بخاخ، وبعضها يتم تدليكه على الجلد). هناك العديد من التقارير التي تفيد بأن الستيرويدات منشطة ويمكن أن تزيد من مشاكل النوم للأشخاص الذين يتناولونها. لذلك، يجب التفكير بعناية في استخدام الأدوية الستيرويدية لدى مرضى الحساسية الذين يعانون من مشاكل في النوم، وعلى أي حال، يجب تجنب تناول هذه الأدوية قبل وقت النوم.
في الختام، تم دراسة العلاقة بين الحساسية والنوم من جوانب عديدة، ولكن لا يزال هناك الكثير مما هو مخفي عن الظاهر في هذا المجال. فهم تأثير الحساسية على جودة النوم أمر بالغ الأهمية لتحسين حياة من يعانون من الحساسية، وما زال العلم يتقدم في هذا المجال. يتمحور الحفاظ على جودة نوم مرضى الحساسية على مجالين: إزالة مسببات الحساسية، والحفاظ على توازن المرض من خلال الأدوية المختلفة. في حال كنت تعاني من الحساسية وتشعر أن نومك غير مرضٍ، يوصى باستشارة طبيبك حول الاستراتيجيات المناسبة التي ستساعدك على تحسينه بطريقة مناسبة.