من خلال ممارسة اليقظة الكاملة (Mindfulness)، يمكن تقليل القلق والتخفيف من تأثيرات الضغط على جهاز المناعة لدينا.
يبدو أن واقعنا الجديد في مثل هذه الأيام، سواء أكان الأمر متعلقا بالقلق على الصحة أو الحالة الاقتصادية أو قلقنا الوجودي، هو واقع يتمثل بالمخاوف. يعد هذا الشعور غريبا بالنسبة إلى معظمنا. نحن معتادون على القلق والتوتر، ولكن هذه المشاعر في الأيام العادية، تأتي وتذهب، أما الآن فإننا نعيش مع قلق لا يتركنا وشأننا، ومع ضغوط لا هوادة فيها، وعلينا أن نتعلم التعامل مع هذه الأمور.
القلق أساسا هو حالة نفسية أو فسيولوجيا يشعر فيها الشخص بانعدام الراحة الجسدية والعقلية، بسبب الاعتقاد بأن شيئا سيئا على وشك الحدوث. قد تكون الأفكار المثيرة للقلق مرتبطة بالاعتقاد بوجود تهديد وخطر حقيقي أو متخيل.
تشمل أعراض القلق من ضمن ما تشمله: تسارع نبضات القلب، التنفس السريع، التعرق، الصداع، المغص، الأرق، ضيق الصدر، انقباض العضلات، جفاف الفم، الفك المشدود، صرير الأسنان، ضعف الطاقة، الرعشة، الشعور بصعوبة التهدئة، تقلب المزاج، الإحباط، الغضب السريع، الإفراط في التعبير عن المشاعر، الشعور بفقدان السيطرة، تدني تقدير الذات، الشعور بالوحدة أو الاكتئاب.
الخوف هو في الواقع استجابة لخطر حقيقي وفوري. أما القلق فهو في الأساس عاطفة سلبية، لا علاقة لها بمحفز خارجي معين أو بخطر مباشر. نظرا لأن دماغنا غير قادر على التمييز بين الخطر الحقيقي والمشاعر أو الأفكار السلبية، فإن جهازنا العصبي يضعنا أمام خيارين: إما القتال أو الهرب.
يأتي القلق على شكل موجة. يرتفع ببطء، يصل إلى ذروته، ومن ثم هنالك حالة هدوء. يمكن تشبيه القلق كالنار، وكلما أطعمنا النار مشاعر سلبية، فإن اللهيب سيتصاعد. ولذا فإنه من المهم تهدئة القلق، لا أن نزيد منه، وذلك لكي يمر بسرعة.
من المهم ملاحظة أن القلق لا يزول. هدفنا هو أن نوصل أنفسنا إلى النقطة التي يمكن لنا فيها مواجهة القلق، لا أن نجعل القلق يدير حياتنا.
بحسب نظرية Mindfulness (اليقظة الكاملة)، تتطلب الإدارة الناجعة للقلق وعيا بالتنفس، بالأفكار، وبالجسد ككل. ومن خلال التمرن على هذه الطريقة يمكننا تقليل لقنا، وتقليل تأثيرات التوتر على جهازنا المناعي. تحسن هذه الطريقة من سيطرتنا الدماغية على ردود الفعل المبالغ فيها لمنظومة "قاتل أو اهرب"، وتحسّن بشكل عام شعورنا بالراحة.
أول ما يمكننا عمله في مواجهة القلق هو الوعي. يتمثل هدفنا هنا في تشخيص الأفكار أو الدوافع التي تؤدي إلى القلق.
في بعض الأحيان يكون السبب واضحا تماما، ولكن هذه الأفكار تخطر إلى لا وعينا، من دون أن تكون لدينا أدنى فكرة عن سبب تولد هذه المشاعر. تمر هذه الأفكار بسرعة كما أنها لو لم تكن، ومع ذلك فإننا نشعر بتأثيرها على أجسادنا بشكل واضح، على هيئة الشعور بالضيق أو ازدياد نبضات القلب
لذلك، فالمرحلة الأولى كما قلنا هي التوقف ومحاولة فهم الدافع لشعورنا بهذا الشعور.
ثاني مراحل عملية إدارة القلق، هي إرخاء العضلات.
يعد انقباض العضلات واحدا من أهم آثار التوتر والقلق على الجسد: ويتمثل الأمر في الشعور بتصلب الرقبة والظهر، والضغط على الأسنان، آلام الظهر، انقباض العضلات وآلام الرأس.
تساعدنا تقنيات إرخاء العضلات أجسامنا على الاستراحة.
ننصح بقبض وإرخاء جميع أعضاءنا، وهذا ما يمكننا من معرفة موضع التوتّر.
اجلس على كرسي، قم بإمساك الكرسي بيديك بقوة، اضغط ساقيك باتجاه الأرض وارفع جسدك إلى الأعلى، ثم ارتخ وقم بإرخاء عضلاتك.
من شأن التنفس الواعي أن يفعل جهازك العصبي اللاواعي، وأن يتسبب في إبطاء النبض. إن التركيز على التنفس وردود الفعل الجسدية على التنفس يساهم في تركيز الأفكار.
فكروا بالتنفس، انتبهوا إلى الهواء الداخل والخارج.
ركزوا على الاستنشاق أولا، عدّوا في أذهانكم ببطء حتى الرقم 4.
ركزوا على الزفير، وقوما بالعد إلى 6 أو 8.
يتيح لنا التنفس الواعي والمصغي تنشيط أنفسنا وتجديد طاقاتنا والاستعداد لإكمال يومنا. ننصح بالتمرن على التنفس الهادئ 3 مرات يوميا لمدة 5 دقائق في كل مرة، مرتين أثناء الاستلقاء ومرة أثناء الجلوس.
بعد العثور على مصدر القلق / الأفكار السلبية، وإرخاء العضلات والتمرن على التنفس الواعي، يصير الشعور العام أكثر هدوءا، ويصير التفكير أكثر منطقية. الآن جاء وقت إفلات الأفكار السلبية.
إنها المرحلة التي نكون فيها قد انتهينا من إدارة القلق عمليا، وهي المرحلة التي تجاوزنا النوبة فيها.
يصبح بإمكاننا في هذه المرحلة التقدم إلى الأمام والعودة إلى العمل.
ومع ما سبق، من المهم أن نفهم أن من يعانون من نوبات القلق لعدة مرات في اليوم، فإن عليهم أن يقوموا بإدارة القلق بهذه الصورة في كل مرة.